اليوم 11ماي 2015 تودّع الجامعة التّونسية رمزا من رموز الفكر والثقافة، قلّما جاد الزمان بمثله علما وأخلاقا، وترك في قلوبنا حزنا عميقا ...الله يرحمه ويسكنه فسيح جنانه ويرزق أهله جميل الصبر والسلوان..إنّا للّه وإنّا إليه راجعون
القرآن الكريم ترحّما على روح الفقيد بصوت الشيخ السديسي
بقلم الدكتور فرحات الدريسي دفاعا عن محمد الطالبي
رفع القلم عن الطّالبيّ المتفقّه في صناعة السّياسة
د. فرحات الدّريسي
إنّنا نميّز بين إسهام الطّالبيّ المؤرّخ والباحث
الأكاديميّ في تاريخ إفريقيّة الوسيط والعامّ، عموما، فلا نعاند ولا نكابر، والطّالبيّ المدرّس الّذي يفوق مكتوبه كثيرا منطوقه، على ما يتّصفان به من تفكّك وتعثّر وضعف بالنّسبة إلى من جالسه أو استمع إليه أو حاوره مشافهة .د. فرحات الدّريسي
إنّنا نميّز بين إسهام الطّالبيّ المؤرّخ والباحث
والطّالبيّ المتفقّه في صناعة السّياسة على تفاوت طبقاتها واختلاف منازلها استقامة في التّدبير أو فسادا أو إفسادا، لأنّنا لا نهدف إلى الخلاف والاختلاف والمنازعة، ولا إلى الاستقصاء عليه، ولا إلى الرّدّ على مطاعن أهل الزّيَغ، وإنّما نريد أن نبيّن أنّه لئن سبق أن طابت أحواله في العهد السّابق بتدبير اللّجنة الثّقافيّة الوطنيّة ، وخبثت أحواله في السّنوات الأخيرة فاستنصر بالغمز والهمز في مناقب الأئمّة وأمّهات المسلمين، وبالقدح المبطّن في أحكام الشّريعة ومكارمها علما وعملا، فإنّنا نتوخّى "طلب الحقّ ونصرته، وتنكُّب الباطل وتجنّبه، والتزام الحقّ المفروض" و" السّلامة من البدع والباطل المرفوض" وقضاء حق النّعمة الرّبّانيّة برؤية إيمانيّة، واطّراح الارتياض المذموم من الأخلاق السيّئة وإلفها " والجري على العادات الرّديئة والأنس بها".
ويلحّ علينا أمر الطّالبيّ إلحاحا لا من أجل حاله في الاستفادة، فذاك فهمه واستبصاره وهما شأن يعنيه، ولكن من جهات ضعفه الفادح والموصول بحال تحصيل تكوينه في أصول الدّين، وبحاله في التّبصير والإفادة.
(الرّاغب الأصفهانيّ.ت 502هـ : الذّريعة إلى مكارم الشّريعة، تحقيق أبي يزيد العجميّ ط 2. المنصورة 1408هـ/ 1987م).
-أصناف النّاس. 163- تعذّر إدراك العلوم النّبويّة على من لم يتهذّب في لعلوم العقليّة. 208- معاداة بعض النّاس لبعض العلوم. 234- أحوال النّاس في استفادة العلم وإفادته 239، إذ ينسب إلى عيسى عليه السّلام قوله عن أشدّ النّاس فتنة "زلّة العالم إذا زلّ العالم زلّ بزلّته عالم كثير" (ابن المبارك: كتاب الزّهد 1/ 520، حديث رقم 1474)، وإلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه " لازلّة أشدّ من زلّة العالم"، وإلى أبي الدّرداء قوله:" إنّ من شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه".
(الدّارميّ: السّنن، ط اسطانبول، المقدّمة، الباب 26. في ذهاب العلم. ص 82).
غدا الطّالبيّ عالما في أصول الدّين يريد به الدّنيا، وليصرف وجوه النّاس إليه في غير تخصّصه فيسلبهم حقّهم الطّبيعيّ في المعرفة السّويّة من مصادرها الأصليّة.
يخفي الطّالبيّ المتفقّه في صناعة السّياسة على السّامع المصادر الأصليّة ويوهمه عن حسن نيّة أو عن سوء نيّة بأنّه رائد في الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به من الفهم في علوم الحديث وأحكامه ومراتبه، وفي أقسام الأخبار والأقوال والأفعال، والواجب منها والممكن والمحال والممتنع، ولا يحيل على اعتراضات الرّافضة والغلاة وعلى محصّل أفكار المتقدّمين من أصحاب الفرق والمذاهب الّتي تضمّنتها أمّهات كتب تاريخ الأديان (مقالات الغسلاميّين واختلاف المصلّين للأشعريّ-الفرق بين الفرق للبغدادي- الملل والنّحل للبغداديّ- الفصل في الملل والأهواء والنّحل لابن حزم –الملل والنّحل للشّهرستانيّ...) غفلة منه أنّ "أساس العلوم الدّينيّة علم أصول الدّين الّذي تحوم مسائله حول اليقين ولا يتمّ بدونه الخوض في سائرها كأصول الفقه وفروعه ، فإنّ الشّروع في جميعها محتاج إلى تقديم شروعه حتّى لا يكون الخائض فيها ، وإن كان مقلّدا لأصولها كبان على غير أساس، وإذا سئل عمّا هو عليه لم يقدر على إيراد حجّة أو قياس".
(نصير الّدّين الطّوسيّ: تلخيص المحصّل المعروف بنقد المحصّل ط.2.بيروت 1405هـ/1985م. خطبة الكتاب).
هو يتحايل على تلك المعرفة يحجب عن القارئ ما يجب أن يقرأ من مطاعن وأقوال تنسب إلى الفرق والمذاهب في مباحث النّبوّة وأشراط الصّنعة النّبويّة الشّرعيّة على وجه الخصوص في البيئة الثّقافيّة العربيّة الإسلاميّة، وهي معرفة تقوم مقام الرّكن السّياسيّ ممّا يسمّى بالحكمة العمليّة ، وهو ممّا يجب أن يتحرّاه المعلّم مع المتعلّمين منه، في تبيين وجوه الختلاف والخلاف بين النّاس في الأديان والفرق والمذاهب ، لأنّ العلماء الأتقياء ورثة الأنبياء.
(الرّاغب الإصفهانيّ: الذّريعة إلى مكارم الشّريعة، م س. ص ص 240-244).
ما ضرّ الطّالبيّ المتفقّه لا الفقيه (الخطيب البغدادي: الفقيه والمتفقّه)، أن يتكثّر في الفكر الدّينيّ على اختلاف مشاربه من علوم القرآن والحديث والتّفسير والمقالات والإنصاف والاختلاف والقواعد والضّوابط والنّقوض والمطاعن والفضائل ليعرف أبواب الكلام في النّبوّة وفي أقسام الأخبار وإثبات التّواتر وأصناف العلوم ومراتبها ومن الغايات والوسائل ومناقب الصّحابة وفضائل الأئمةووجوه التّأويل فيما شجر بينهم على أسس من العقل والشرع قبل أن يتقلّل من قراءاته في غير تخصّصه كي لا يتكلّف سياسويّا ما ليس له، ولا عليه، وليحفظ ما لا بدّ منه من أدب الدّنيا والدّين، لأنّ "أعظم الأمور خطرا وقدْرا وأعمّها نفعا ورفدا، ما استقام به الدّين والدّنيا، وانتظم به صلاح الآخرة والأولى، لأنّ باستقامة الدّين تصحّ العبادة، وبصلاح الدّنيا تتمّ السّعادة".
(الماورديّ: أدب الدّنيا والدّين ط.1. بيروت 1407هـ/1987م، خطبة الكتاب).
يعرف الطّالبيّ جيّدا أنّ استكمال الإنسانيّة بالدّين وبالقيام بالعبادة حقّ القيام، ولكنّه ظلّ في أقواله وكتاباته، يتردّد من وقت إلى آخر بين أكثر من فهم ومن رأي ومن موقف، ولئن كنّا لسنا في معرض بيان مذهبه في الإيمان وحظّه من الطّاعات والمعاصي وليس ذلك من حقّنا ولا من وظائفنا، فإنّنا نراه حائرا ومربكا وغير مقتنع بتفاوت النّاس وأسباب اختلافاتهم في تعاطي الأفعال المحمودة والمذمومة وبمنزلة" الشذجرة النّبويّة وفضلها على سائر البريّة".
(الرّاغب الإصفهانيّ: تفصيل النّشأتين: وتحصيل السّعادتين. الأبواب 12-13-14-20-29).
ويستوجب القول باتّصال الدّيانة بالعبادة، والإيمان بالعلم، والكفى بالجهل، ليكون المرء من أهل الفضل، لا لا من أهل الدّناءة القول بأنّ " الكتب لا تحيي الموتى، ولا تحوّل الأحمق عاقلا، ولا البليد ذكيّا، ولكن الطّبيعة إذا كان فيها أدنى قبول فالكتب تشحذ وتفتّق وترهف وتشفي، ومن أراد ان يعلم كلّ شيء فينبغي لأهله أن يداووه".
(الجاحظ: الحيوان 1/ 58-60).
ليس بوسعنا أن ننكر أنّ مضرّة الطّالبيّ المتفقّه السّياسويّ تتجاوز شخصه (الّذي لا يعنينا لحرصنا الفعليّ والثّابت وثائقيّا وتاريخيّا على حرّيّة التّفكير وحريّة التّعبير) إلى مريده والمتعلّمين عنه والمتوهّمين أنّ سلطته العلميّة في تخصّصه الأكاديميّ تجيز له سلطة موازية أو مصاحبة في أصول الدّين.
حاد الطّالبيّ، من طريق عِوَزِ التّخصّص عن النّظاميّة في الأركان الإسلاميّة (أبو المعالي عبد الملك الجوينيّ: العقيدة النّظاميّة، رواية أبي بكر بن العربي عن الغزاليّ في المؤلّف) ولم يميّز بين المدرك البديهيّ وبين المدرك الضّروريّ والواجب العقليّ والمدرك العمليّ، ولم يرق إلى فهم عقيدة السّلف في أصول الدّين الّتي استمسك بها الّذين مضوا من أئمّة الدّين وعلماء المسلمين والسّلف الصّالحين، وهدوا، ودعوا النّاس إليها في كلّ حين ونهوا عمّا يضادّها وينافيها".
(إسماعيل الصّابونيّ ت 449هـ : عقيدة السّلف وأصحاب الحديث ضمن مجموع الرّسائل المنيريّة.ط بيروت 1970. ص 105).
ووصل في عقليّة الأحكام وحدود التّقيّد بها، وغرق عن فقر علميّ في الاحتجاج بما يصحّ من الحديث والأخبار وبما لا يصحّ. وخلط بين الصّحيح والسّقيم والأصول والفروع والضّعيف والمتروك بغير ثبت.
(رسالة الحافظ البيهقيّ إلى أبي محمّد والد غمام الحرمين: في الاحتجاج بما يصحّ من الحديث وما لا يصحّ من الأخبار. ضمن مجموع الرّسائل.م س. 2/286).
ولم يتحرّز في أحكامه على السّنّة أصلا من أصول علوم الدّين والتّشريع، بإدراج فهمه ضمن مباحث الاختلاف والخلاف على غرار: ابن عبد البرّ. ت 463هـ: الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف -و– الباقلاّنيّ: البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسّحر والنّارنجيّات – و- الانتصار لنقل القرآن-و-الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به –و- التّمهيد في الرّدّ على الملحدة المعطّلة والرّافضة والخوارج والمعتزلة –و- مناقب الأيمّة الأربعة.وأبو المعالي الجوينيّ: الإرشاد غلى قواطع الأدلّة في أصول الاعتقاد...)، وليس للطّالبيّ خلّة معروفة في موضع فقده لأنّه لا يفقه الفوارق التّركيبيّة بين الخبر والإنشاء ومعاني الجمل الاعتراضيّة الدّعائيّة وأصناف الحديث النّبويّ ولا العلاقة العضويّة بين القرآن الكريم والحديث القدسيّ، ولئن كنّا لا نرغب في الاستقصاء عليهن فإنّنا نقرّ "بوجوب ضبط المتصدّين للعلم ومضرّة إهمال ذلك".
(الرّاغب الإصفهانيّ: الذّريعة إلى مكارم الشّريعة، م س. ص ص. 251).
لأنّه قبيح بذي العقل أن يكون بهيمة، وقد أمكنه أن يكون إنسانا، أو إنسانا وقد أمكنه أن يكون ملكا، وأن يرضى بقنية معارة وحياة مستردّة، وله أن يتّخذ قنية مخلّدة وحياة مؤبّدة".
(م.س. ص 61).
وليس للطّالبيّ خلّة معروفة في موضع فقده بتعبير جاحظيّ عند الكلام على علوم القرآن وعلوم الحديث، حين يقتصر على القرآن مصدرا وحيدا من مصادر التّشريع، ويخلص إلى أنّه مسلم قرآنيّ، فأيّ قول أجهل ورأي افسد من هذا الفهم الّذي لا يكفّ عن المحظورات وعن التّدنّس بالشّبهات، حتّى لكأنّ القرآن نصّ متكلّس، ونظام مغلق لا رابط لهما بالحديث القدسيّ، ولا إخصاب لهما في بلاغة القرآن وإعجازه، ولا علاقة لهما بتكوين الفرق والمذاهب، ودورها في تكوينيّة الفكر الدّينيّ وفلسفته على اختلاف مناحيها، وفي تأثير أصول السّماع والقياس واستصحاب الحال في مناهج المحدّثين واللذغويّين والمؤرّخين والمتكلّمين والعلماء...
لسنا في حاجة إلى تذكير الطّالبيّ بحاجة النّوع الإنسانيّ في وجوده وبقائه ومنقلبه إلى الشّريعة، وبالتّفريق بين أحكام الشّريعة ومكارمها علما وعملا بالعلم وبالتّمييز بين العلوم والغايات والعلوم والوسائل وبالتّرابط التّلازميّ بين حدود الفهم وحقائق العلوم.
"فللحقّ أعلام ونظام والفضيلة مطلوبة والقدرة على اقتنائها موهوبة، والسّعادة بمنزلة الكمال مقرونة، والحياة الأبديّة باستعمال مناسك الشّرع مرهونة".
(حميد الدّين الكرمانيّ، راحة العقل، تحقيق مصطفى غالب. ط2.بيروت 1983.ص83).
إنّنا نشكّ بأن يذهب الظنّ بالطّالبي الباحث العالم لا الطّالبيّ المتفقّه السّياسويّ إلى أنّه يضيف معرفة جديدةن إلى ما سبق أن قيل منذ تكوينيّة البيئة الثّقافيّة العربيّة الإسلاميّة في مباحث النبوّة والحقيقة الدّينيّة إثباتا ونفيا من الكنديذ والفارابيّ وابن الرّاونديّ وأبي بكر الرّازيّ وأبي حاتم الرذازيّ والكرمانيذ وابن سينا والباقلاّنيّ والرمّانيّ والجرجانيّ والقاضي عبد الجبّار والجوينيّ الاب ثمّ الابن والخطيب البغداديّ والغزاليّ وابن العربيّ وابن رشد وابن تيميّة وابن سبعين وابن تيميّة وابن خلدون وغيرهم كثير.
(عبد الرّحمان بدويّ: من تاريخ الإلحاد في الإسلام.ط.2.مصر.1993).
ولعلّ يكفينا ويكفيه أن نحيله على كتاب "الدّين والدّولة في إثبات النبيّ محمّد صلعم. لعليّ بن ربن الطّبريّ النّصرانيّ(ق3هـ/9م) تحقيق عادل نويهض ط.2. بيروت 1977م. ليتعرّف على الدّلائل على تصحيح الأخبار ص41، وعلى فضائل سنّته وشرائعه.ص, 57. وعلى أنّ الدّاعين إلى دينه والشّاهدين بحقيقة أمره كانوا خيار النّاس.ص 114.
وعلى الرّدّ على من عاب الإسلام بسنّة من سننه أو شريعة من شرائعه ص. 195.
وأن يعرف أنّ " العلم طريق إلى الله تعالى دون منازل ... فمن منازله معرفة اللّغة الّتي عليها بني الشّرع، ثمّ حفظ كلام ربّ العزّة، ثمّ سماع الحديث، ثمّ الفقه، ثمّ علم الأخلاق والورع، ثمّ علم المعاملات وما بين ذلك من الوسائط من معرفة أصول البراهين والأدلّة...لكن قلّ ما ينفكّ كلّ نزل منها من شرّير في ذاته وشرِه في مكسبه، وطالب لرئاسته وجاهل مجب بنفسه " .
(الرّاغب الإصفهانيّ: الذّريعة إلى مكارم الشّريعة، م س.معاداة بعض النّاس لبعض العلوم. ص. 234).
ويلحّ علينا أمر الطّالبيّ إلحاحا لا من أجل حاله في الاستفادة، فذاك فهمه واستبصاره وهما شأن يعنيه، ولكن من جهات ضعفه الفادح والموصول بحال تحصيل تكوينه في أصول الدّين، وبحاله في التّبصير والإفادة.
(الرّاغب الأصفهانيّ.ت 502هـ : الذّريعة إلى مكارم الشّريعة، تحقيق أبي يزيد العجميّ ط 2. المنصورة 1408هـ/ 1987م).
-أصناف النّاس. 163- تعذّر إدراك العلوم النّبويّة على من لم يتهذّب في لعلوم العقليّة. 208- معاداة بعض النّاس لبعض العلوم. 234- أحوال النّاس في استفادة العلم وإفادته 239، إذ ينسب إلى عيسى عليه السّلام قوله عن أشدّ النّاس فتنة "زلّة العالم إذا زلّ العالم زلّ بزلّته عالم كثير" (ابن المبارك: كتاب الزّهد 1/ 520، حديث رقم 1474)، وإلى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه " لازلّة أشدّ من زلّة العالم"، وإلى أبي الدّرداء قوله:" إنّ من شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه".
(الدّارميّ: السّنن، ط اسطانبول، المقدّمة، الباب 26. في ذهاب العلم. ص 82).
غدا الطّالبيّ عالما في أصول الدّين يريد به الدّنيا، وليصرف وجوه النّاس إليه في غير تخصّصه فيسلبهم حقّهم الطّبيعيّ في المعرفة السّويّة من مصادرها الأصليّة.
يخفي الطّالبيّ المتفقّه في صناعة السّياسة على السّامع المصادر الأصليّة ويوهمه عن حسن نيّة أو عن سوء نيّة بأنّه رائد في الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به من الفهم في علوم الحديث وأحكامه ومراتبه، وفي أقسام الأخبار والأقوال والأفعال، والواجب منها والممكن والمحال والممتنع، ولا يحيل على اعتراضات الرّافضة والغلاة وعلى محصّل أفكار المتقدّمين من أصحاب الفرق والمذاهب الّتي تضمّنتها أمّهات كتب تاريخ الأديان (مقالات الغسلاميّين واختلاف المصلّين للأشعريّ-الفرق بين الفرق للبغدادي- الملل والنّحل للبغداديّ- الفصل في الملل والأهواء والنّحل لابن حزم –الملل والنّحل للشّهرستانيّ...) غفلة منه أنّ "أساس العلوم الدّينيّة علم أصول الدّين الّذي تحوم مسائله حول اليقين ولا يتمّ بدونه الخوض في سائرها كأصول الفقه وفروعه ، فإنّ الشّروع في جميعها محتاج إلى تقديم شروعه حتّى لا يكون الخائض فيها ، وإن كان مقلّدا لأصولها كبان على غير أساس، وإذا سئل عمّا هو عليه لم يقدر على إيراد حجّة أو قياس".
(نصير الّدّين الطّوسيّ: تلخيص المحصّل المعروف بنقد المحصّل ط.2.بيروت 1405هـ/1985م. خطبة الكتاب).
هو يتحايل على تلك المعرفة يحجب عن القارئ ما يجب أن يقرأ من مطاعن وأقوال تنسب إلى الفرق والمذاهب في مباحث النّبوّة وأشراط الصّنعة النّبويّة الشّرعيّة على وجه الخصوص في البيئة الثّقافيّة العربيّة الإسلاميّة، وهي معرفة تقوم مقام الرّكن السّياسيّ ممّا يسمّى بالحكمة العمليّة ، وهو ممّا يجب أن يتحرّاه المعلّم مع المتعلّمين منه، في تبيين وجوه الختلاف والخلاف بين النّاس في الأديان والفرق والمذاهب ، لأنّ العلماء الأتقياء ورثة الأنبياء.
(الرّاغب الإصفهانيّ: الذّريعة إلى مكارم الشّريعة، م س. ص ص 240-244).
ما ضرّ الطّالبيّ المتفقّه لا الفقيه (الخطيب البغدادي: الفقيه والمتفقّه)، أن يتكثّر في الفكر الدّينيّ على اختلاف مشاربه من علوم القرآن والحديث والتّفسير والمقالات والإنصاف والاختلاف والقواعد والضّوابط والنّقوض والمطاعن والفضائل ليعرف أبواب الكلام في النّبوّة وفي أقسام الأخبار وإثبات التّواتر وأصناف العلوم ومراتبها ومن الغايات والوسائل ومناقب الصّحابة وفضائل الأئمةووجوه التّأويل فيما شجر بينهم على أسس من العقل والشرع قبل أن يتقلّل من قراءاته في غير تخصّصه كي لا يتكلّف سياسويّا ما ليس له، ولا عليه، وليحفظ ما لا بدّ منه من أدب الدّنيا والدّين، لأنّ "أعظم الأمور خطرا وقدْرا وأعمّها نفعا ورفدا، ما استقام به الدّين والدّنيا، وانتظم به صلاح الآخرة والأولى، لأنّ باستقامة الدّين تصحّ العبادة، وبصلاح الدّنيا تتمّ السّعادة".
(الماورديّ: أدب الدّنيا والدّين ط.1. بيروت 1407هـ/1987م، خطبة الكتاب).
يعرف الطّالبيّ جيّدا أنّ استكمال الإنسانيّة بالدّين وبالقيام بالعبادة حقّ القيام، ولكنّه ظلّ في أقواله وكتاباته، يتردّد من وقت إلى آخر بين أكثر من فهم ومن رأي ومن موقف، ولئن كنّا لسنا في معرض بيان مذهبه في الإيمان وحظّه من الطّاعات والمعاصي وليس ذلك من حقّنا ولا من وظائفنا، فإنّنا نراه حائرا ومربكا وغير مقتنع بتفاوت النّاس وأسباب اختلافاتهم في تعاطي الأفعال المحمودة والمذمومة وبمنزلة" الشذجرة النّبويّة وفضلها على سائر البريّة".
(الرّاغب الإصفهانيّ: تفصيل النّشأتين: وتحصيل السّعادتين. الأبواب 12-13-14-20-29).
ويستوجب القول باتّصال الدّيانة بالعبادة، والإيمان بالعلم، والكفى بالجهل، ليكون المرء من أهل الفضل، لا لا من أهل الدّناءة القول بأنّ " الكتب لا تحيي الموتى، ولا تحوّل الأحمق عاقلا، ولا البليد ذكيّا، ولكن الطّبيعة إذا كان فيها أدنى قبول فالكتب تشحذ وتفتّق وترهف وتشفي، ومن أراد ان يعلم كلّ شيء فينبغي لأهله أن يداووه".
(الجاحظ: الحيوان 1/ 58-60).
ليس بوسعنا أن ننكر أنّ مضرّة الطّالبيّ المتفقّه السّياسويّ تتجاوز شخصه (الّذي لا يعنينا لحرصنا الفعليّ والثّابت وثائقيّا وتاريخيّا على حرّيّة التّفكير وحريّة التّعبير) إلى مريده والمتعلّمين عنه والمتوهّمين أنّ سلطته العلميّة في تخصّصه الأكاديميّ تجيز له سلطة موازية أو مصاحبة في أصول الدّين.
حاد الطّالبيّ، من طريق عِوَزِ التّخصّص عن النّظاميّة في الأركان الإسلاميّة (أبو المعالي عبد الملك الجوينيّ: العقيدة النّظاميّة، رواية أبي بكر بن العربي عن الغزاليّ في المؤلّف) ولم يميّز بين المدرك البديهيّ وبين المدرك الضّروريّ والواجب العقليّ والمدرك العمليّ، ولم يرق إلى فهم عقيدة السّلف في أصول الدّين الّتي استمسك بها الّذين مضوا من أئمّة الدّين وعلماء المسلمين والسّلف الصّالحين، وهدوا، ودعوا النّاس إليها في كلّ حين ونهوا عمّا يضادّها وينافيها".
(إسماعيل الصّابونيّ ت 449هـ : عقيدة السّلف وأصحاب الحديث ضمن مجموع الرّسائل المنيريّة.ط بيروت 1970. ص 105).
ووصل في عقليّة الأحكام وحدود التّقيّد بها، وغرق عن فقر علميّ في الاحتجاج بما يصحّ من الحديث والأخبار وبما لا يصحّ. وخلط بين الصّحيح والسّقيم والأصول والفروع والضّعيف والمتروك بغير ثبت.
(رسالة الحافظ البيهقيّ إلى أبي محمّد والد غمام الحرمين: في الاحتجاج بما يصحّ من الحديث وما لا يصحّ من الأخبار. ضمن مجموع الرّسائل.م س. 2/286).
ولم يتحرّز في أحكامه على السّنّة أصلا من أصول علوم الدّين والتّشريع، بإدراج فهمه ضمن مباحث الاختلاف والخلاف على غرار: ابن عبد البرّ. ت 463هـ: الإنصاف فيما بين العلماء من الاختلاف -و– الباقلاّنيّ: البيان عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسّحر والنّارنجيّات – و- الانتصار لنقل القرآن-و-الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به –و- التّمهيد في الرّدّ على الملحدة المعطّلة والرّافضة والخوارج والمعتزلة –و- مناقب الأيمّة الأربعة.وأبو المعالي الجوينيّ: الإرشاد غلى قواطع الأدلّة في أصول الاعتقاد...)، وليس للطّالبيّ خلّة معروفة في موضع فقده لأنّه لا يفقه الفوارق التّركيبيّة بين الخبر والإنشاء ومعاني الجمل الاعتراضيّة الدّعائيّة وأصناف الحديث النّبويّ ولا العلاقة العضويّة بين القرآن الكريم والحديث القدسيّ، ولئن كنّا لا نرغب في الاستقصاء عليهن فإنّنا نقرّ "بوجوب ضبط المتصدّين للعلم ومضرّة إهمال ذلك".
(الرّاغب الإصفهانيّ: الذّريعة إلى مكارم الشّريعة، م س. ص ص. 251).
لأنّه قبيح بذي العقل أن يكون بهيمة، وقد أمكنه أن يكون إنسانا، أو إنسانا وقد أمكنه أن يكون ملكا، وأن يرضى بقنية معارة وحياة مستردّة، وله أن يتّخذ قنية مخلّدة وحياة مؤبّدة".
(م.س. ص 61).
وليس للطّالبيّ خلّة معروفة في موضع فقده بتعبير جاحظيّ عند الكلام على علوم القرآن وعلوم الحديث، حين يقتصر على القرآن مصدرا وحيدا من مصادر التّشريع، ويخلص إلى أنّه مسلم قرآنيّ، فأيّ قول أجهل ورأي افسد من هذا الفهم الّذي لا يكفّ عن المحظورات وعن التّدنّس بالشّبهات، حتّى لكأنّ القرآن نصّ متكلّس، ونظام مغلق لا رابط لهما بالحديث القدسيّ، ولا إخصاب لهما في بلاغة القرآن وإعجازه، ولا علاقة لهما بتكوين الفرق والمذاهب، ودورها في تكوينيّة الفكر الدّينيّ وفلسفته على اختلاف مناحيها، وفي تأثير أصول السّماع والقياس واستصحاب الحال في مناهج المحدّثين واللذغويّين والمؤرّخين والمتكلّمين والعلماء...
لسنا في حاجة إلى تذكير الطّالبيّ بحاجة النّوع الإنسانيّ في وجوده وبقائه ومنقلبه إلى الشّريعة، وبالتّفريق بين أحكام الشّريعة ومكارمها علما وعملا بالعلم وبالتّمييز بين العلوم والغايات والعلوم والوسائل وبالتّرابط التّلازميّ بين حدود الفهم وحقائق العلوم.
"فللحقّ أعلام ونظام والفضيلة مطلوبة والقدرة على اقتنائها موهوبة، والسّعادة بمنزلة الكمال مقرونة، والحياة الأبديّة باستعمال مناسك الشّرع مرهونة".
(حميد الدّين الكرمانيّ، راحة العقل، تحقيق مصطفى غالب. ط2.بيروت 1983.ص83).
إنّنا نشكّ بأن يذهب الظنّ بالطّالبي الباحث العالم لا الطّالبيّ المتفقّه السّياسويّ إلى أنّه يضيف معرفة جديدةن إلى ما سبق أن قيل منذ تكوينيّة البيئة الثّقافيّة العربيّة الإسلاميّة في مباحث النبوّة والحقيقة الدّينيّة إثباتا ونفيا من الكنديذ والفارابيّ وابن الرّاونديّ وأبي بكر الرّازيّ وأبي حاتم الرذازيّ والكرمانيذ وابن سينا والباقلاّنيّ والرمّانيّ والجرجانيّ والقاضي عبد الجبّار والجوينيّ الاب ثمّ الابن والخطيب البغداديّ والغزاليّ وابن العربيّ وابن رشد وابن تيميّة وابن سبعين وابن تيميّة وابن خلدون وغيرهم كثير.
(عبد الرّحمان بدويّ: من تاريخ الإلحاد في الإسلام.ط.2.مصر.1993).
ولعلّ يكفينا ويكفيه أن نحيله على كتاب "الدّين والدّولة في إثبات النبيّ محمّد صلعم. لعليّ بن ربن الطّبريّ النّصرانيّ(ق3هـ/9م) تحقيق عادل نويهض ط.2. بيروت 1977م. ليتعرّف على الدّلائل على تصحيح الأخبار ص41، وعلى فضائل سنّته وشرائعه.ص, 57. وعلى أنّ الدّاعين إلى دينه والشّاهدين بحقيقة أمره كانوا خيار النّاس.ص 114.
وعلى الرّدّ على من عاب الإسلام بسنّة من سننه أو شريعة من شرائعه ص. 195.
وأن يعرف أنّ " العلم طريق إلى الله تعالى دون منازل ... فمن منازله معرفة اللّغة الّتي عليها بني الشّرع، ثمّ حفظ كلام ربّ العزّة، ثمّ سماع الحديث، ثمّ الفقه، ثمّ علم الأخلاق والورع، ثمّ علم المعاملات وما بين ذلك من الوسائط من معرفة أصول البراهين والأدلّة...لكن قلّ ما ينفكّ كلّ نزل منها من شرّير في ذاته وشرِه في مكسبه، وطالب لرئاسته وجاهل مجب بنفسه " .
(الرّاغب الإصفهانيّ: الذّريعة إلى مكارم الشّريعة، م س.معاداة بعض النّاس لبعض العلوم. ص. 234).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق