الاثنين، 11 مايو 2015

الخطاب الشعري وتحوّلات الدّلالة (قضايا ومقاربات)

تمهيد
تجتمع في هذا الكتاب مادّة نقدية الرابط بينها انشغالها بنماذج من مدوّنة الشعر التونسي المعاصر واتّصالها بقضاياه الدلالية والفنية والشكلية والمضمونية. وقد راوحت بين منزعين: نظري وتطبيقي، وقصدت بذلك ترسيخ الدرس النقدي في بعديه، كما راهنت على ما قد يترجمه ذلك من مسعى إحاطة ويهدف إليه من جدّية الطرح والتحليل والتأويل.
وتوزّعت المقاربات الّتي طرحنا بين قسمين أساسيين، أوّل: عنوانه"في الشعري والدلالي"، وثان:عنوانه"في الشعر وتحوّلات الدلالة: نماذج وقراءات". وتفصيل القول في هذين القسمين، أنّ أوّلهما بحث في قضية أساسية من قضايا النّص الشعري هي  قضية الدلالة/الدلالات، ونزع إلى محاولة استكناه النّص من داخله ورصد أوجه تعبيراته في اتّصالها ببعض تنويعاته الشكلية والمضمونية وبجوانب من تجلّياته الدلالية الظاهرة والمضمرة، أو من خلال سياقات ومظاهر مختلفة تترجمها بعض الاصطلاحات الّتي اعتمدناها مدخلا إلى دراسة الظاهرة الدلالية في النّص الشعري، من قبيل: "الانحسار الدلالي" /"الانفتاح الدلالي" /"التّنويع الشكلي" .... ومن ثمَّ، اعتمدنا نماذج شعرية وقضايا محدّدة للدراسة نوردها – بحسب عناوينها- في مايلي:
 .1 من مظاهر التنويع الشكلي في الشعر التونسي المعاصر(استدعاء الموشح مثالا ).
 2. التراث القرائي ووجوه الانحسار الدلالي: عودة إلى أبي القاسم الشابي في ديوان" أغاني الحياة ".
3.الخطاب الشعري ووجوه الانفتاح الدلالي: قراءة في شعرية الإضمار.(أجرينا دراسة ظاهرة الإضمار على نماذج شعرية تونسية لكلّ من الشعراء: أبو القاسم الشابي ومنصف الوهايبي ومحمد الغزي).
أمّا القسم الثّاني فنهض- في جانب كبير منه – لمعالجة مظاهر تحوّلات الدلالة في الخطاب الشعري التونسي المعاصر،     في إطار ما اصطلحنا على تسميته "قصيدة الثورة"، والحافز على ذلك يعود إلى سببين أساسيين، أوّل: يترجمه ما لاحظناه من تفاعل الشعراء في تونس وفي بعض الأقطار العربية مع الظرفية السياسية  والاجتماعية والثقافية والإبداعية الجديدة الّتي أفرزتها " ثورات الرّبيع العربي" (مع الاعتراض على التسمية في بعض جوانبها). وثان يعبّر عنه التراكم النصي للمنجز الإبداعي الشعري في هذه المرحلة والاعتقاد في استوائه مدوّنة جديرة بالاهتمام والفحص والتدبّر قراءة وتحليلا وتأويلا.
هذا، ولم نتقصّد من خلال هذه المقاربات الارتهان بظرفية سياسية أو ظرفية اجتماعية مخصوصة، كما لم نعمد  في بعض  الدراسات الواردة في الكتاب إلى حشرها بكلّ ما كتب من أشعار عن"الثورة"، بل نزعنا إلى الانتخاب والتّخير نوعا وكمّا، أمّا النوع فجسّده ما اعتقدنا في تمثيليته، وأمّا الكمّ فمثّلته الرّغبة في التركيز والرّغبة عن التطويل. ويجدر لفت الانتباه في سياق هذا التأطير إلى أنّ التركيز على الصّلة العميقة للفعل الإبداعي بالواقع ومن ثمَّ الوقوف على تجلّيات انغراسه في سياقه الحضاري، لا يمكن أن يحجب مدى اهتمامنا بالأساسيّات التّي ينهض عليها هذا الفعل ونعني بها: أبعاده الدلاليّة وخصوصياته الفنّية وتنويعاته الشكليّة. ومن هذا المنطلق لم تخْلُ القراءات الّتي أنجزنا من استنطاق للجوانب الفنّية الّتي أفصحت عنها جموع الأعمال الشعرية المنتخبة في محاولة لاقتفاء علاقة الكلمة بالكلمة وصلة الصورة بالصورة والمعاني بالمباني وغير ذلك ممّا يمكن أن ينخرط في سياق محاولات استجلاء الدلالة ورصد تحوّلاتها الظاهرة والمضمرة.
وقد حاولنا في سياق متّصل بهذا القسم تسليط الضوء على تجربة لافتة من تجارب الشعر التونسي في القرن العشرين، ونعني بها تجربة حركة "الطليعة الأدبية"، وتحديدا جناحها الشعري" في غير العمودي والحرّ" (انتخبنا الشاعر الطاهر الهمامي ممثّلا لهذه التجربة في بُعْدَيْهَا الشعري الإبداعي والنظري النقدي)، لاعتقاد في أهمّية هذه المحطّة ومدى أثرها في تطوّر الشعر التونسي من جهة النظر إلى وظيفة الشعر وانفتاحه على إمكانات شكلية وتنويعات فنّية وغرضية ودلالية لم يسبق لها، ثمّ تأثيرها على اللاّحق من تجارب الشعر التونسي تأثيرا مباشرا أو غير مباشر. وخصّصنا جانبا آخر للنظر في تجربة رائدة من تجارب الشعر التونسي يمثّلها الشاعر آدم فتحي، وتحديدا من خلال عمله الشعري "نافخ الزجاج الأعمى"، في محاولة منّا لمواكبة الرّاهن الشعري ورصد تحوّلاته وتطوّره، وخاصّة من خلال مقاربتنا لموضوع مخصوص لخّصناه في سؤال: هل الشعر هويّة أم سؤال هوّية؟ وختمنا القسم بدراسة سلّطت الضوء على مجموع شعري من الإصدارات الجديدة وجدناه مهمّا في التعبير عن قضايا الدلالة الشعرية من خلال ما اصطلحنا على تسميّته "شعريّة التفاصيل". وقد أوردنا العناوين الرّئيسية لهذا القسم تحت المسمّيات التّالية:
1-   التجلّيات الشعرية للثورة التونسية: قراءة النّصوص الأُوَل.
2-   الكتابة الشعرية بين التنظير والممارسة: تجربة الطاهر الهمّامي مثالا.
3-   الشعر سؤال هوّية أم هوّية؟ (قراءة في ديوان نافخ الزجاج الأعمى لآدم فتحي).
  4- شعرية التفاصيل ملمَح من ملامح الشعر المعاصر: ديوان "دعني أمتلئ بك" أنموذجا.
و حاولنا من خلال طرحنا هذه المشاغل التوفّق في الإجابة عليها من منظورين أساسيّين: وصفي علمي ونقدي تطبيقي، وانتهينا إلى استنتاجات أودعناها ثنايا الفصول وأجملناها في خواتمها على وجه الخصوص، والهدف الرئيس من إثارة هذه القضايا الإسهام الجادّ في إغناء مسار الشعر العربي المعاصر والنقد المنهجي، والرغبة الصادقة في مزيد التعريف بالشعر التونسي لأنّ "أدبنا في حاجة إلى أكثر من محاولة تعرّف به، وتقدّمه إلى أجيالنا وإلى كلّ أولائك الّذين يتشوّفون إلى مصادر عن الأدب التونسي المعاصر"، مثلما ذهب إلى ذلك الدكتور محمد صالح الجابري في رأي صدر عنه منذ ما يناهز العقود الأربعة. وختاما، المقاربة فكر ناقد وحسّ مرهف، وسعي إلى استكشاف المقصيّ المهمّش والغامض المجهول...فلنقارب ونقرأ.
                                                                                 واللّه وليّ التوفيق
                                                                                          عبدالقادر عليمي













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق