الثلاثاء، 26 مايو 2015

*** قَصِيدَةُ أُمّي ****


أَلَحَّتْ عَلَيَّ نَفْسي كثيرًا فَخَلَوتُ إليْهَا أُحَدّثُها وَتُحدّثُني. وَكانت النّتيجَةُ قَصيدةً قَصيرةً بَعْدمَا شَطَبتُ كثيرًا مْن السُّطورِ وَالْكلمَاتِ وَغَيَّرتُ أُخْرى. وَقَرَأْتهَا مَرّاتٍ وَلكنْ خَطَرَ لِي أنْ أعْرِضَها عَلى أُمِّي عَلِّي وَاجِدٌ عنْدهَا رأيًا صَائبًا. وَقُلتُ: "أُجرِّبُ"
حِينَ دَخلتُ كانتْ أمّي تَغزلُ الصُّوفَ بِمغْزَلهَا الَّذِي صَنَعَتْهُ بِنَفْسِهَا مِن غُصْنِ زَيتونٍ. رَفعتْ رَأْسَهَا كَأَنَّهَا أَحَسَّتْ بِمَا أُريدُ فَبُحْتُ لهَا بِمَا فَكَّرتُ فِيهِ فَقَالَتْ: "اِقْرَأْ" وَوَقفتُ مُرتعشًا أَقْرَأُ:
عَلَى دَوْحَةِ الشِّعْرِ
حَطَّ يُغَنِّي
بِعَيْنَيْهِ عِشْقُ الْفُصُولِ
وَحُلْمِ التَّمَنّي
وَذكْرَى الرَّحِيلِ الَّذي شَاقَهُ
وَالصَّبَاحُ الْمُغَنّي
وَكانَ صغيرًا
جَناحَاهُ رَسمٌ مِنَ النُّورِ وَالهَمْسِ
في مَوْكبٍ مِن دُمُوعٍ وَفَنِّ
ضَمَّهُ اللَّيْلُ
حِينَ أَتَاهُ بِهَوْلٍ وَجِنِّ
وَلَكنَّهُ فَرَّ مِنّي
أكْملتُ قِراءةَ القَصيدَةِ، فَظلَّتْ أُمّي صَامتةً لِلحظاتٍ ثُمَّ قَالتْ: "أنَا أُصدِّقُكَ يَا وَلدِي، ولكنَّ النّاسَ لا يُصدِّقُونَ أنَّ بِعُيُونِ العَصافيرِ عِشقًا وَأحْلامًا، اُشطبْ هَذَا حَتّى لا يَسْخَرَ النَّاسُ مِنْكَ. وَهلْ رأيتَ يومًا عُصفورًا لهُ جَناحَانِ مِن النُّورِ؟ اُشْطُبْ هَ ذا أيْضًا"
وَظَلَّتْ أُمّي تُحرِّكُ مِغْزلهَا وَتأمُرُني بِشَطبِ كلمَاتٍ وَأَسْطُرٍ. ولمْ يَكنْ أمَامي إِلّا أَنْ أَ فعَلَ.
وَحِينَ خَلَوْتُ إِلَى نَفْسِي قَرَأْتُ القَصيدةَ فإذَا هِيَ كالتّالي:
عَلَى دَوْحَةِ التَّلِّ
حَطَّ يُغَنِّي
وَلَكِنَّهُ فَرَّ مِنّي
وَاكْتشَفتُ أنَّ القصيدةَ أصبحتْ بَسيطةً وَجميلةً وَصادقةً بَساطةَ أمّي وَجمالَها وَصِدْقَهَا.
******** أحمد الحاجي










هناك تعليق واحد: